[تنشر جدلية بالاشتراك مع مجموعة الـدكتافون ومؤسسة "آرت-ايست" نصوصاً تتناول الحق في الوصول إلى الشاطىء في العالم العربي تحت عنوان "من هنا البحر". نشرت هذه النصوص باللغة الانكليزية على موقع آرت-ايست. تنشر سلسلة "من هنا البحر" تباعاً على موقع جدلية خلال الأسبوع القادم.]
واقعية ما تراه تزداد طردياً مع خيالك. فالواقع الذي أعيشه الآن، أنا أراه وأنت تراه على خلاف، وسيتحول الى ذاكرة أو موروث، سيختلف باختلاف الناقل وباختلاف المكان. فما نحن بالمحصلة سوى نتيجة لما سمعنا وتلقينا، وما نظن أننا رأيناه. لكن خيالك سيجعل الأبعد دائماً أجمل، هكذا بدأ الحديث عن المسافات والزمن وفردية المتلقي له وتفسيراته، واختلاف المسافات والزمن باختلاف العوامل، وارتبط المشهد بشكل عام بمحاولة لرسم خارطة أو ممر يمكنك عبوره الى مكان آخر، مكان في معظم الأحيان يبدو بعيداً جداً، بعيداً أيضاً عن المخيلة، لننظر للأمر بطريقة موضوعية بعيدة عن الرومانسية المعتاده، خصوصاً في حالات تذكر البحر، وأي بحر؟؟ بحر فلسطين، لن نتحدث عن المفقود، أو جماله وشعاريته، بل سنرسم ونحدد المسافات، ونجرب ونبحث إن كانت المسافات هي المسافات، أم أن هناك معانٍ أخرى للبعد، فهناك تكمن الكثير من التفسيرات، فبين لا واقعية الحقيقة المتمثله بالحواجز والفروقات في فهم أبعاد المكان بين عاملين زمانين، مكانين، متلقيين ... فبالنسبة لنا الحقيقه هي أن المسافه بين عمان وشاطىء البحر هي ساعتين ولكنها حقيقة غير واقعية، في الواقع المسافة لها بعد آخر لأنك ستقف على حاجز واحد ما يقارب الخمس ساعات، وهذا ما قد نطلق عليه اللامنطق، لذلك سنستعين بالخيال وهو ما نلجأ إليه حين يستعصي علينا فهم الأمور.
البداية كانت في فهم الفكرة التي قد تكون حقيقية على قدر صعوبتها واستحالة تنفيذها، لكن ذلك لم يمنع من تنفيذ المراحل الأولى التي قد تكتمل مع مرور الوقت، لذلك تمثلت المرحلة الأولى برسم الخطوط المبدئية للطريق، الإتجاهات بأسهم على الحوائط العامه في عمّان، تشير إلى اتجاه البحر، وتحدّد المسافة بالزمن الحقيقي، الذي يتغير كلما اقتربنا، وخرائط أعيدت صياغتها لترسم مسافات وأزمان مختلفه تحتاجها للوصول للبحر، من عمّان للبحر الميت، بعد ذلك ستختار أنت الطريق، عبارات تحفز التساؤل عمّا يختبيء خلفها وتثير الفضول أيضاً لحقيقتها وبعدها عن الواقع في آن واحد. ليختم الموضوع نوعاً ما على شكل عمل تجهيزي داخل غرفة، يمثل خلاصة مصوّرة لما تحويه المخيلة البعيدة عن الواقع لصور مجردة، وتفاصيل أحادية الأبعاد، لون أسود على سقف الغرفة ثنائي الأبعاد مألوف الشكل (يشبه ما نراه في الأطلس مشكلاً الساحل المتوسطي الفلسطيني) يصبح له بعد ثالث من إحدى الأطراف التي تشكل حدود الساحل لترسم حدوداً هشه، حدوداً لا نستغني عنها حتى في مخيلتنا، لكن بالنهايه سنتخيل جميعنا الأمور بطريقة مختلفة. "أي بحر؟" سؤال توجه به أحد أطفال حي اللويبده في عمّان بكل بديهيه، فالضروره لا تستدعي أن نعرّف أهل عمّان بأن البحر الميت قريب!! الجواب كان: "بحر تاني"، "وكيف بنروحوا؟" سؤال آخر، الجواب بكل بساطه: من هون.
[شكراً لمكان"مساحة فنية" في عمّان]